فصل: قصص ومواعظ رائعة ومطالب عالية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.قصص ومواعظ رائعة ومطالب عالية:

عن عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه وَهُوَ من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي فاستتبعه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه.
فأسرع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي. فطفق رِجَال يعترضون الأعرابي فيساومون بالفرس ولا يشعرون أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ابتاعه.
حتى زَادَ بَعْضهمْ الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الَّذِي ابتاعه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
فنادى الأعرابي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إن كنت مبتاعًا هَذَا الفرس فابتعه وإِلا بعته.
فقام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حين سمَعَ نداء الأعرابي فَقَالَ: «أو لَيْسَ قَدْ ابتعته منك؟» قال الأعرابي: لا وَاللهِ ما بعتك.
فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «بلى قَدْ ابتعته منك» فطفق النَّاس يلوذون بالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان فطفق الأعرابي يَقُولُ: هَلُمَّ شهيدًا يشهد أني بايعتك؟
فمن جَاءَ من المسلمين قال للأعرابي: ويلك إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن ليَقُولُ إِلا حقًا.
حتى جَاءَ خزيمة فاستمَعَ لمراجعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ومراجعة الأعرابي وطَفِقَ الأعرابي يَقُولُ: هَلُمَّ شهيدًا أني بايعتك؟
فَقَالَ خزيمة: أَنَا أشهد أنك قَدْ بايعته؟ فأقبل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على خزيمة فَقَالَ: «بم تشهد؟» قال: بتصَدِيقكَ يَا رَسُولَ اللهِ.
فجعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين.
وقَدْ روى في بعض طرق هَذَا الْحَدِيث أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة: «بم تشهد ولم تكن معنا؟» قال: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أصدقك بخبر السماء أفلا أصدقك بما تَقُول؟
قال الخطابي: ووجه هَذَا الْحَدِيث أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حكم على الأعرابي بعلمه إذ كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ صادقًا بارًا وجرت شهادة خزيمة في ذَلِكَ مجرى التوكيد لقوله له صلى الله عليه وسلم والاستظهار بها على خصمه.
فصَارَت في التقدير مَعَ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كشهادة رجلين في سائر القضايا. رَحِمَهُ اللهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَمَ.
فَصْلٌ:
قال الواقدي عن أشياخ له: إن شيبة بن عثمان كَانَ يحدث عن إسلامه فَيَقُولُ: ما رَأَيْت أعجب مِمَّا كانَا فيه من لزوم ما مضى عَلَيْهِ آباؤنا من الضلالات.
فَلَمَّا كَانَ عام الفتح ودخل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عنوة قُلْتُ: أسير مَعَ قريش إلى هوزان بحنين فعَسَى إن اختلطوا أن أصيب من مُحَمَّد غرة فأثأر منه فأكون أَنَا الَّذِي قمت بثأر قريش كُلّهَا، وأَقُول: ولو لم يبق من الْعَرَب والعجم أحد إِلا اتبع محمدًا ما اتبعته أبدًا.
فَلَمَّا اختلط النَّاس اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف فدنوت أريد ما أريد منه ورفعت سيفي، فرفع لي شواظ من نار كالبرق حتى كاد يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفًا عَلَيْهِ، فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وناداني يا شيب ادن مني.
فدنوت منه فمسح صدري وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أعذه من الشيطان» فوالله لهو كَانَ ساعتئذٍ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي وأذهب الله عَزَّ وَجَلَّ ما كَانَ بي.
ثُمَّ قال: «ادن فقاتل». فتقدمت أمامه اضرب بسيفي، الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كُلّ شَيْء، ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كَانَ حيًا لأوقعت به السيف.
فَلَمَّا تراجع المسلمون وكروا كرة رجل واحد قربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوى عَلَيْهَا فخَرَجَ في أثرهم حتى تفرقوا في كُلّ وجه، وَرَجَعَ إلى معسكره فدخل خباءه، فدخلت عَلَيْهِ فَقَالَ: «يا شيب الَّذِي أراد الله بك خَيْر مِمَّا أردت بنفسك».
ثُمَّ حدثني بكل ما أضمرت في نفسي مِمَّا لم أكن أذكره لأحد قط. فقُلْتُ: فإني أشهد أن لا إله إِلا الله وأنك رسول الله. ثُمَّ قُلْتُ: أستغفر لي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: «غفر الله لك».
وعن أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره مِنْهُمْ البراء بن مالك».
وإن البراء لقي زحفًا من المشركين وقَدْ أوجع المشركون في المسلمين.
فَقَالُوا له: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك لو أقسمت على الله لأبرك، فأقسم على الله فَقَالَ: أقسمت عَلَيْكَ يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم.
ثُمَّ التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا المسلمين فَقَالُوا: أقسم على ربك، فَقَالَ: أقسمت عَلَيْكَ يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبيك صلى الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدًا. وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
أرسل عمر إلى الكوفة من يسأل عن سعد فكَانَ النَّاس يثنون عَلَيْهِ خيرًا حتى سئل عَنْهُ رجل من بني عبس.
فَقَالَ: أما إذا أنشدتمونا عن سعد فإنه كَانَ لا يخَرَجَ في السرية ولا يعدل بالرعية ولا يقسم بالسوية.
فَقَالَ سعد: اللَّهُمَّ إن كَانَ كاذبًا قام رياءً وسمعةً فاطل فأطل عمره وعظم فقره وعرضه للفتن.
فكَانَ يرى وَهُوَ شيخ كبير قَدْ تدلى حاجباه من الكبر يتعرض للجواري يغمزهن في الطرقات وَيَقُولُ: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد.
وَكَذَا سعيد بن زيد كَانَ مجاب الدعوة فقَدْ روى أن أروى بنت أوس استعدت مروان على سعيد وقَالَتْ: سرق من أرضي وأدخله في أرضه.
فَقَالَ سعيد: اللَّهُمَّ إن كأَنْتَ كاذبة فأذهب بصرها وأقتلها في أرضها فذهب بصرها وماتت في أرضها.
قال إبراهيم بن آدهم: مرض بعض العباد فدخلنا عَلَيْهِ نعوده فجعل يتنفس ويتأسف فقُلْتُ له: على ماذا تتأسف؟ قال: على ليلة نمتها، ويوم أفطرته، وساعة غفلت فيه عن ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ.
وبكى بعض العباد عَنْدَ موته فقيل له: ما يبكيك؟ فَقَالَ: أن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم، ويصلى المصلون ولست فيهم. تأمل يا أخي هذه الأماني لله دره وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
عن ابن أبي مليكة قال: لما كَانَ يوم الفتح ركب عكرمة بن أبي جهل البحر هاربًا فخب بِهُمْ البحر فجعلت الصراري، أي الملاحون يدعون الله ويوحدونه.
فَقَالَ: ما هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا مكَانَ لا ينفع فيه إِلا الله قال: هَذَا إله مُحَمَّد الَّذِي يدعونا إليه، فارجعوا بنا. فرجع فأسلم.
وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِى جَهْلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ جِئْتُهُ: «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ، مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ». قُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لا أَدَعُ نَفَقَةً أَنْفَقُتُهَا عَلَيْكَ إِلا أَنْفَقْتُ مِثْلَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ.
وعن عَبْد اللهِ بن أبي مليكة أن عكرمة بن أبي جهل كَانَ إذا اجتهد في اليمن قال: لا والَّذِي نجاني يوم بدر، وكَانَ يضع المصحف على وجهه وَيَقُولُ: كتاب رَبِّي، كتاب رَبِّي.
استشهد عكرمة يوم إليرموك في خلافة أبي بكر، فوجدوا فيه بضعًا وسبعين من بين ضربةٍ وطعنةٍ ورميةٍ. وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
فَصْلٌ:
قال الزبير: وحدثني عمي مصعب بن عَبْد اللهِ قال: جَاءَ الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها بعد من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم.
فَقَالَ له عَبْد اللهِ بن الزبير: بعت مَكَّرمة قريش؟ فَقَالَ حكيم: ذهبت المكارم إِلا التقوى يا ابن أخي إني اشتريت بها دارًا في الْجَنَّة أشهدك أني قَدْ جعلتها في سبيل الله.
وعن أبي بكر بن سليمان قال: حج حكيم بن حزام معه مائة بدنة قَدْ أهدها وجللها الحبرة وكفها عن أعجازها ووقف مائة صيف يوم عرفة في أعناقهم أطوقة الفضة قَدْ نقش في رؤوسها:
عتقاء الله عَزَّ وَجَلَّ عن حكيم بن حزام. وأعتقهم وأهدى ألف شاة.
وعن مُحَمَّد بن سعد يرفعه: أن حكيم بن حزام بكى يومًا، فَقَالَ له ابنه: ما يبكيك؟ قال: خصال كُلّهَا أبكاني: أما أولها فبطء إسلامي حتى سبقت في مواطن كُلّهَا صَالِحَة، ونجوت يوم بدر وأُحُدٍ فقُلْتُ: لا أخَرَجَ أبدًا من مَكَّة ولا أوضع مَعَ قريش ما بقيت.
فأقمت بمَكَّة ويأبى الله عَزَّ وَجَلَّ أن يشرح صدري للإسلام وَذَلِكَ أني أنظر إلى بقايا من قريش لَهُمْ أسنان متمسكين بِمَا هُمْ عَلَيْهِ من أمر الجاهلية فأقتدي بِهُمْ، ويا ليت أني لم أقتد بِهُمْ فما أهلكنا إِلا الاقتداء بآبانَا وكبرائنا.
فَلَمَّا غزا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَكَّة جعلت أفكر، فخرجت أَنَا وأبو سفيان نستروح الخبر فلقي العباس أبا سفيان فذهب به إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ورجعت فدخلت بيتي، فأغلقته علي ودخل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَكَّة فآمن النَّاس فجئته فأسلمت وخرجت معه إلى حنين.
وعن عروة أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبة وفي الإسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير.
قال ابن سعد: قال مُحَمَّد بن عمر: قدم حكيم بن حزام الْمَدِينَة ونزلها وبنى بها دارًا، ومَاتَ بها سنة أربع وخمسون وَهُوَ ابن مائة وعشرين سنة رَحِمَهُ اللهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم.
فَصْلٌ:
عن أبي برزة الأسلمي: أن جليبيبًا كَانَ امرأ من الأنصار، وكَانَ أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا كَانَ لأحدهم أيم أي لا زوج لها لم يزوجها حتى يعلم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هل له فيها حَاجَة أم لا؟
فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل من الأنصار: «يا فلان زوجني ابنتك». قال: نعم ونعمة عين، قال: «إني لست لنفسي أريدها». قال: لمن؟، قال: «لجليبيب». قال: يا رسول الله حتى أستأمر أي أشاور أمها. فأتاها فَقَالَ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك. قَالَتْ: نعم ونعمة عين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: إنه لَيْسَتْ لنفسه يريدها. قَالَتْ: فلمن؟، قال: لجليبيب، قَالَتْ: حلقى ألجليبيب؟ لا لعمر الله، لا أزوج جليبيبًا.
فَلَمَّا قام أبوها ليأتي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ الفتاة من خدرها لأبويها: من خطبني إليكما قالا: رسول صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: أفتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ ادفعوني إلى رسول الله فإنه لن يضيعني.
فذهب أبوها إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: شأنك بها، فزوجها جليبيبًا.
قال إسحاق بن عَبْد اللهِ بن أبي طلحة لثابت: أتدري ما دعا لها به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: وما دعا لها به النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلام؟ قال: «اللَّهُمَّ صب عَلَيْهَا الْخَيْر صبًّا، ولا تجعل عيشها كَدًّا كَدًا».
قال ثابت: فزوجها إياه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزى له، قال: «تفقدون من أحد؟»، قَالُوا: نفقَدْ فلانَا ونفقَدْ فلانَا ونفقَدْ فلانَا. ثُمَّ قال: «هل تفقدون من أحد؟» قَالُوا: نفقَدْ فلانَا ونفقَدْ فلانَا. ثُمَّ قال: «هل تفقدون من أحد؟» قَالُوا: لا. قال: «لكني أفقَدْ جليبيبًا». فطلبوه في القتلى. فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعةٍ، قَدْ قتلهم، ثُمَّ قتلوه. فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَذَا مني وانَا منه، أقتل سبعة ثُمَّ قتلوه هَذَا مني وانَا منه أقتل سبعة ثُمَّ قتلوه هَذَا مني وانَا منه». فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه ثُمَّ حفروا له ما له سرير إِلا ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في قبره.
لله در هذه الأنفس فما أعزها وهذه الهمم فما أرفعها!
وَلَمَّا رَأَواَ بَعْضَ الْحَيَاةِ مَذَلَّةً ** عَلَيْهِمْ وَعِزَّ الْمَوْتِ غَيْرَ مُحَرَّمِ

أَبَوْا أَنْ يَذُوقُوا الْعَيْشَ وَالذَمُّ وَاقِعٌ ** عَلَيْهِ وَمَاتُوا مَيْتَةً لَمْ تُذَمَّمِ

وَلا عَجَبٌ لِلأُسْدِ إِنْ ظَفِرَتْ بِهَا ** كِلابُ الأَعَادِي مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِ

فَحَربَةُ وَحْشِيٍّ سَقَتْ حَمزَةَ الرَّدَى ** وَحَتْفُ عَلِيٍّ في حُسَامِ ابْنِ مُلْجَم

رَوَى مُسْلِم في أفراده مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: انْطَلََقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابَهُ إلى بَدْر حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ».
قَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟! قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: بَخٍ بَخٍ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ». قَالَ: [لاَ] وَاللهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قال: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا».
قال: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ: إِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم.
فَصْلٌ:
قال الواقدي: لما أراد عمرو بن الجموح الْخُرُوج إلى أحد، منعه بنوه، وقَالُوا: قَدْ عذرك الله. فَجَاءَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
إن بني يريدون حبسي عن الْخُرُوج معك وإني لأرجو أن أطأ بعرجتي [هذه] في الْجَنَّة فَقَالَ: «أما أَنْتَ فقَدْ عذرك الله». ثُمَّ قال لبنيه: «لا عليكم لا تمنعوه لعل الله عَزَّ وَجَلَّ يرزقه الشهادة». فخلوا سبيله.
قَالَتْ امرأته هند بنت عمرو بن خزام: كأني أنظر إليه موليًا قَدْ أخذ درفته وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لا تردني إلى خربى وهي منازل بني سلمة.
قال أبو طلحة: فمظرت إليه حين انكشف المسلمون ثُمَّ ثابوا وَهُوَ في الرعيل الأول، لكأني أنظر إلى ظلع في رجله وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا وَاللهِ مشتاق إلى الْجَنَّة!
ثُمَّ أنظر إلى ابنه خلاد [وَهُوَ] يعدو [معه] في إثره حتى قتلا جميعًا.
وفي الْحَدِيث: أنه دفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمر وأبو جابر في قبر واحد، فخرب السيل قبورهم فحفر عنهم بعد ست وأربعين سنة فوجدوا لم يتغير كأنهم ماتوا بالأمس. وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
عن أنس بن مالك قال: كنا جلوسًا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يطلع الآن عليكم رجل من أَهْل الْجَنَّة». فطلع رجل من الأنصار تنظف لحيته من وضوئه قَدْ عل نعَلَيْهِ بيده الشمال.
فَلَمَّا كَانَ الغد قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مثل ذَلِكَ، فطلع ذَلِكَ الرجل مثل المرة الأولى.
فَلَمَّا كَانَ اليوم الثالث قال النَّبِيّ ع مثل مقالته أيضًا فطلع ذَلِكَ الرجل على مثل حاله الأولى فَلَمَّا قام النَّبِيّ ع تبعه عَبْد اللهِ ابن عمرو فَقَالَ: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا فإن رَأَيْت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم.
قال أنس: فكَانَ عَبْد اللهِ يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليإلى فلم يره يقوم من الليل شَيْئًا غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ، وكبر حتى لصلاة الفجر.
قال عَبْد اللهِ: غير أني لم أسمعه يَقُولُ إِلا خيرًا، فَلَمَّا مضت الثلاث الليإلى، وكدت أن أحتقر عمله.
قُلْتُ: يا عَبْد اللهِ لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله ع يَقُولُ لك ثلاث مرات: «يطلع عليكم الآن رجل من أَهْل الْجَنَّة». فطلعت أَنْتَ الثلاث المرات، فأردت أن آوى إليك.
فَانْظُرْ ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الَّذِي بلغ بك ما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟
قال: ما هُوَ إِلا ما رَأَيْت، فَلَمَّا وليت دعاني فَقَالَ: ما هُوَ إِلا ما رَأَيْت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدًا على خَيْر أعطاه الله إياه.
فَقَالَ عَبْد اللهِ: هذه التي بلغت بك. رواه أَحَمَد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي. وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم.
فَصْلٌ:
عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشًا فيهم رجل يُقَالُ له حدير. وكأَنْتَ تلك السنة قَدْ أصابتهم سنة من قلة الطعام، فزودهم رسول الله ونسي أن يزود حديرًا.
فخَرَجَ حدير صابرًا محتسبًا وَهُوَ في أخر الركب يَقُولُ: لا إله إِلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إِلا بِاللهِ. وَيَقُولُ: نعم الزَادَ هُوَ يا رب. فهو يرددها وَهُوَ في آخر الركب.
قال: فَجَاءَ جبريل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ له: إن رَبِّي أرسلني إليك يخبرك أنك زودت أصحابك ونسيت أن تزود حديرًا، وَهُوَ في آخر الركب يَقُولُ: لا إله إِلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله.
فدعا النَّبِيّ ع رجلاً فدفع إليه زَادَ حدير وأمر إذا انتهى إليه حفظ عَلَيْهِ ما يَقُولُ: وإذا دفع إليه الزَادَ حفظ عَلَيْهِ ما يَقُولُ وَيَقُولُ له: إن رسول الله ع يقرئك السَّلام ورحمة الله ويخبرك أنه كَانَ نسي أن يزودك، وإن رَبِّي تبارك وتَعَالَى أرسل إلى جبريل يذكرني بك فذكره جبريل وأعلمه مكانك.
فانتهى إليه وَهُوَ يَقُولُ: لا إله إِلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إِلا بِاللهِ، وَيَقُولُ: نعم الزَادَ هَذَا يا رب. قال: فدنا منه ثُمَّ قال له: إن رسول الله ع يقرئك السَّلام ورحمة الله وقَدْ أرسلني إليك بزَادَ معي، وَيَقُولُ: إني إنما نسيتك فأرسل إلى جبريل من السماء يذكرني بك. قال: فحمد الله وأثنى عَلَيْهِ وصلى على النَّبِيّ ع.
ثُمَّ قال: الحمد لله رب العالمين، ذكرني رَبِّي من فوق سبع سماوات، ومن فوق عرشه، ورحم جوعي وضعفي، يا رب كما لم تنس حديرًا فاجعل حديرًا لا ينساك.
قال: فحفظ ما قال وَرَجَعَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بما سمَعَ منه حين أتاه، وبما قال حين أخبره، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو رفعت رأسك إلى السماء لرَأَيْت لكلامه ذَلِكَ نورًا ساطعًا ما بين السماء والأَرْض». وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
فَصْلٌ:
عن مُحَمَّد بن سعد قال: كَانَ ذو البجادين يتيمًا لا ما له. فمَاتَ أبوه ولم يورثه شَيْئًا، وكفله عمه حتى أيسر.
فَلَمَّا قدم النَّبِيّ الْمَدِينَة جعلت نَفْسهُ تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عَلَيْهِ من عمه حتى مضت السنون والمشاهد.
فَقَالَ لعمه: يا عم إني قَدْ انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدًا فأذن لي في الإسلام.
فَقَالَ: وَاللهِ لئن اتبعت مُحَمَّد لا أترك بيدك شَيْئًا كنت أعطيتكه إِلا نزعته منك حتى ثوبيك.
قال: فأنَا وَاللهِ متبع محمدًا وتارك عبادة الحجر، وهَذَا ما بيدي فخذه، فأخذ ما أعطاه حتى جرده من إزاره.
فأتي أمه فقطعت بجادًا لها باثنين فأتزر بواحدٍ وارتدى بالآخِر ثُمَّ أقبل إلى الْمَدِينَة وكَانَ بورقان فاضطجع في المسجد في السحر.
وكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصفح النَّاس إذا انصرف من الصبح فنظر إليه فنظر إليه فَقَالَ: «من أَنْتَ؟» فانتسب له، وكَانَ اسمه عبد العزى. فَقَالَ: «أَنْتَ عَبْد اللهِ ذو البجادين».
ثُمَّ قال: «انزل مني قريبًا». فكَانَ يكون في أضيافه حتى قَرَأَ قرانَا كثيرًا.
فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى تبوك قال: ادع لي بالشهادة فربط النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على عضده لحى سمرة وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إني أحرم دمه على الكفار».
فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا أردت.
قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إنك إذا خرجت غازيًا فأخذتك الحمى فقتلتك فأَنْتَ شهيد، أو وقصتك دابتك فأَنْتَ شهيد». فأقاموا بتبوك أيامًا ثُمَّ توفي.
قال بلال بن الحارث: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَعَ بلال المؤذن شعلة من نار عَنْدَ القبر واقفًا بها.
وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «أدينا إلى أخاكما». فَلَمَّا هيأه لشقه في اللحد قال: «اللَّهُمَّ إني قَدْ أمسيت عَنْهُ راضيًا فارض عَنْهُ».
فَقَالَ ابن مسعود: ليتني كنت صَاحِب اللحد.
وعن أبي وائل عن عَبْد اللهِ قال: وَاللهِ لكأني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وَهُوَ في قبر عَبْد اللهِ ذي البجادين وأبو بكر وعمر يَقُولُ: «أدنيا إلى أخاكما».
وأخذه من القبلة حتى أسكنه في لحده ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وولياهما الْعَمَل.
فَلَمَّا فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعًا يديه يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إني أمسيت عَنْهُ راضيًا فارض عَنْهُ».
وكَانَ ذَلِكَ ليلاُ فوَاللهِ لوددت أني مكانه، ولَقَدْ أسلمت قبله بخمس عشر سنة. وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
فَصْلٌ: عن مُحَمَّد بن سعد قال: أتى واثلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معه الصبح. وكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى وانصرف تصفح أصحابه فَلَمَّا دنا من واثلة قال: «من أَنْتَ؟» فأخبره.
فَقَالَ: «ما جَاءَ بك؟» قال: جئت أبايع. فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «فيما أحببت وكرهت؟» قال نعم. قال: «فيما أطقت؟» قال: نعم. فأسلم وبايعه.
وكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز يومئذ إلى تبوك فخَرَجَ واثلة إلى أهله فلقي أبا الأسقع فَلَمَّا رأى حاله قال: قَدْ فعلتها؟ قال: نعم قال أبوه: وَاللهِ لا أكلمك أبدًا.
فأتى عمه فسلم عَلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ فعلتها؟ قال: نعم قال: فلامه أيسر من ملامة أبيه وَقَالَ: لم يكن ينبغي لك أن تسبقنا بأمر.
فسمعت أخت واثلة كلامه فخرجت إليه وسلمت عَلَيْهِ بتحية الإسلام. فَقَالَ واثلة: أنى لك هَذَا يا أخية؟ قَالَتْ: سمعت كلامك وكلام عمك فأسلمت.
فَقَالَ: جهزي أخاك جهاز غاز فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم على جناح سفر. فجهزته فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ تحمل إلى تبوك وبقي غبرات من النَّاس وهم على الشخوص.
فجعل ينادي بسوق بني قينقاع: من يحملني وله سهمي؟ قال: وَكُنْت رجلاً لا رحلة بي.
قال: فدعاني كعب بن عجرة فَقَالَ: أَنَا أحَمَلَكَ عقبة بالليل وعقبة بالنَّهَارَ ويدك أسوة يدي وسهمك لي. قال واثلة: نعم.
قال واثلة: جزاه الله خيرًا لَقَدْ كَانَ يحملني ويزيدني وآكل معه ويرفع لي حتى إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد المالك بدومة الجندل.
خَرَجَ كعب في جيش خالد وخرجت معه فأصبنا فيئا كثيرًا فقسمه خالد بيننا فأصابني ست قلائص فأقبلت أسوقها حتى جئت بها خيمة كعب بن عجرة فقُلْتُ: اخَرَجَ رَحِمَكَ اللهُ فَانْظُرْ إلى قلائصك فاقبضها.
فخَرَجَ وَهُوَ يبتسم وَيَقُولُ: بارك الله لك فيها ما حملتك وانَا أريد أن آخد منك شَيْئًا.
عن بشر بن عَبْد اللهِ عن واثلة بن الأسقع رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كنَّا أصحاب الصفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فينا رجل له ثوب.
ولَقَدْ اتخذ العرق في جلودنا طرقًا من الغبار، إذ خَرَجَ عَلَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ليبشر فقراء المهاجرين».؟ ثلاثًا. وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
عَنْ نَعِيم بن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ قَالَ كُنْتُ أخدِمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجه نِهَارِي أجمَعَ، حَتَّى يُصلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العشاء الأخرة.
فأجلس على بابه إذا دخل بيته أَقُول: لعلها أن تحدث لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَة. فما أزال أسمعه سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله وبحمده حتى أمل فأرجع أو تغلبني عيني فأرقَدْ.
فَقَالَ لي يومًا لما رأى من حفتي، أي العناية والخدمة له وخدمتي إياه: «يا ربيعة سَلْنِي أعطك». قال: فقُلْتُ أنظر في أمري يَا رَسُولَ اللهِ ثم أعلمك ذَلِكَ.
فَقَالَ: ففكرت في نفسي فعلمت أن الدُّنْيَا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقًا سيأتيني، قال: فقُلْتُ أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي فإنه من الله عَزَّ وَجَلَّ بالمنزل الَّذِي هُوَ به.
فجئته فَقَالَ: «ما فعلت يا ربيعة؟» أسألك يَا رَسُولَ اللهِ أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار.
فَقَالَ: «من أمرك بهَذَا يا ربيعة؟» فَقُلْتُ: ولا الَّذِي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قُلْتُ: «سلني أعطك». وَكُنْت من الله بالمنزل الَّذِي أَنْتَ به نظرت في أمري فعرفت أن الدُّنْيَا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقًا سيأتيني.
فقُلْتُ: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي. قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً ثُمَّ قال لي: «إِنِّي فَاعِلٌ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».
يَا أَيُّهَا الرَّاقِدُ كَمْ تَرْقُدُ ** قُمْ يَا حَبِيبِي قَدْ دَنَا الْمَوْعِدُ

وَخُذْ مِنَ اللَّيْلِ وَسَاعَاَتِهِ ** حَظًّا إِذَا مَا هَجَعَ الرُّقَّدُ

مَنْ نَامَ حَتَّى يَنْقَضِي لَيْلَهُ ** لَمْ يَبْلُغ الْمَنْزِلَ لَوْ يَجْهَدُ

قُلْ لِذِي الأَلْبَابِ أَهْلِ التُّقَى ** قَنْطَرَةُ الْحَشْرِ لَكُمْ مَوْعِدُ

اللَّهُمَّ نَجّنا برحمتِكَ مِن النارِ وعافِنا من دار الخِزْيَ والبَوَار، وَأَدْخِلنا بفَضْلِكَ الجنةَ دارَ القَرار وعامِلْنَا بكَرَمِكَ وَجودِكَ يا كَرِيمُ يا غَفارُ وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
كَانَ الْفُقَهَاء يتواصون بينهم بثلاث ويكتب بذَلِكَ بَعْضهمْ إلى بعض من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله تَعَالَى فيما بينه وبين النَّاس.
وَقَالَ مُحَمَّد بن كعب القرظي: إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل فيه ثلاث خلال: فقه في الدين، وزهادة في الدُّنْيَا، وبصرٍ بعيوبه.
وَقَالَ الحسن بن صالح: الْعَمَل بالحسنة قوة في البدن، ونور في الْقَلْب، وضوء في البصر، والْعَمَل بالسيئ، وهن في البدن، وظلمة في الْقَلْب، وعمًى في البصر.
وكتب الخسن البصري إلى عمر بن عَبْد الْعَزِيز يعظه: احتمال المؤنة المنقطعة التي تعقبها الرَّاحَة الطويلة خَيْر من تعجل راحة منقطعة تعقبها مؤنة باقية وندامة طويلة.
واعْلَمْ أن الهول الأعظم أمامك ومن وراء ذَلِكَ داران إن أخطأتك هذه صرت على هذه، وكأنك بالدُّنْيَا لم تكن وبالآخِرَة لكم تزل.
وكتب أحد عمال عمر بن عَبْد الْعَزِيز إليه: إن مدينتنا قَدْ تهدمت فإن رأى أمير الْمُؤْمِنِين أن يقطع لنا مالاً نرمها به فعل، فكتب عمر إليه: إذا قرأت كتابي ها فحصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه عمارتها.
وقيل: الدين والملك إِخْوَان توأمان لا قوام لأحدهما إِلا بصاحبه، لأن الدين أساس الملك، ثُمَّ صار الملك بعد حارسًا للدين فلابد للملك من أساس، ولابد للدين من حارس، وما لا حارس له فهو ضائع، وما لا أساس له فهو مهدوم.
كَانَ جماعة من الملوك يوعظون فيؤثر الوعظ في قُلُوبهمْ فيخرجون من ملكهم ودنياهم ويزهدون وكَانَ فيهم من يتفكر في نَفْسهُ ويعلم انقطاع الدُّنْيَا عَنْهُ وقرب رحيله منها ويخاف شدة الحساب وأهوال القيامة وما إلى ذَلِكَ فينفر من الدُّنْيَا ويزهد في الولاية وكل من تدبر القرآن وتأمل أحوال من مضى لابد أن يتأثر ويتجافى عن الدُّنْيَا ولكن مقل ومكثر إِلا من عميت بصيرته.
يَا خَدُّ إِنَّكَ إِنْ تُوسَدَ لَيِّنًا ** وُسِّدْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ صُمَّ الْجَنْدَلِ

فَامْهَدْ لِنَفْسِكَ صَالِحًا تَسْعَدْ بِهِ ** فَلَتَنْدَمَنَّ غَدًا إِذَا لَمْ تَفْعَل

قال تَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ}، وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}، وَقَالَ: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ}.
قال تَعَالَى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً}، وَقَالَ: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}.
روى ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بينما رجل ممن كَانَ قبلكم في مملكته تفكر فعلم أن ذَلِكَ منقطع عَنْهُ وأن الَّذِي هُوَ فيه قَدْ شغله عن عبادة ربه تَعَالَى فخَرَجَ ذات ليلة من قصره فأصبح في مملكة غيره فأتى ساحل البحر وكَانَ يضرب اللبن بالأجرة فيأكل ويتصدق بالفضل من قوته فلم يزل كَذَلِكَ حتى رفع إلى ملك تلك الناحية.
فأرسل الملك إليه أن يأتيه فأعاد إليه الرَّسُول فأبى وَقَالَ: ماله وإياي فركب الملك فَلَمَّا رآه الرجل ولى هاربًا فَلَمَّا رأى ذَلِكَ الملك جد في أثره فلم يدركه فناداه يا عَبْد اللهِ إنه لَيْسَ عَلَيْكَ مني بأس فأقام حتى أدركه.
فَقَالَ له: من أَنْتَ يرَحِمَكَ اللهُ قال: فلان بن فلان صَاحِب كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: وما شأنك، فَقَالَ: تفكرت في أمري فعلمت أن ما أَنَا فيه منقطع عني لا محالة وأنه قَدْ شغلني عن عبادة رَبِّي فتركته وجئت هنا أعبد رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.
فَقَالَ: ما أَنْتَ بأحوج إلى ما صنعت مني فنزل عن دابته فسيبها وإلى ثيابه فألقى بها ثُمَّ أتبعه فكانَا جميعا فدعوا الله تَعَالَى أن يميتهما جميعا فماتا. قال ابن مسعود: ولو كنت برملية مصر لأريتكم قبريهما بالنعت الَّذِي نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أَحَمَد، وأبو يعلى بنحوه.
إِلَى اللهِ أَشْكُو لَوْمَ نَفْسٍ شَحِيحَة ** عَلَى الْخَيْرِ قَدْ أَضْنَى فُؤَادِي عَلاجُهَا

إِذَا سَأَلْتَنِي شَهْوَة قَدْ مَنَعْتُهَا ** أَدَامَتْ سُؤَإلى وَاسْتَمَرَّ لَجَاجُهَا

وَإِنْ سُمْتُهَا خَيْرًا تَفُوزُ بِنَفْعِهِ ** غَدًا نَفَرتْ مِنِّي وَدَامَ انْزِعَاجَهَا

فَقَدْ ضِقْتُ يَا مَوْلايَ ذَرْعًا وَأَظْلَمَتْ ** عَليَّ الأَرَاضِي الْوَاسِعَات فِجَاجُهَا

فَهَبْ لِيَّ يَا نُوار السَّمَاوَاتِ فِطْرَةً ** يُضِيءُ لِعَيْنِي فِي السُّلُوكَ سَرَاجُهَا

وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَمَ.
فَصْلٌ:
ثُمَّ اعْلَمْ أن الدُّنْيَا بأسرها وبجَمِيع لذاتها لا تساوي في باب السعادة واللذة الروحية شَيْئًا قال الإمام علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أصاب الدُّنْيَا من حذرها وأصابت من أمنها، وَقَالَ: الدُّنْيَا لا تصفوا لشارب ولا تبقي لصَاحِب ولا تخلوا من فتنة ولا تنكشف إِلا عن محنة.
فأعرض بقلبك عَنْهَا قبل أن تعرض عَنْكَ واستبدل بها خيرًا منها قبل أن تستبدل بك فإن نعيمها متحول وأحوالها متنقلة ولذاتها فانية وتباعتها باقية.
واعْلَمْ أن مثل الدُّنْيَا كمثل الحية لين مسها قاتل سمها فاقتصد فيما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها وكن أحذرهر ما تَكُون لها وأَنْتَ آنس بها فإن صاحبها كُلَّما اطمأن منها إلى سرور أشخصه لك مكروه أو غرور.
وَقَالَ آخر:
وجملت الأَمْر أنك إذا نظرت بعقلك أيها الرجل فعلمت أن الدُّنْيَا لا بقاء لها، وأن نفعها لا يفي بضرها وتبعاتها من كد البدن وشغل الْقَلْب في الدُّنْيَا والْعَذَاب الإليمِ والحساب الطويل في الآخِرَة الَّذِي لا طاقة لك به.
فإذا علمت ذَلِكَ جدًا زهدت في فضول الدُّنْيَا فلا تأخذ منها إِلا ما لا بدًا لك منه في عبادة ربك وتدع التنعم والتلذذ إلى الْجَنَّة دار النَّعِيم الْمُقِيم في جوار رب العالمين الملك القادر الغني الكريم وعلمت أن الخلق لا وفاء لَهُمْ. قال الواصف لحال أَهْل وقته:
غَاضَ الْوَفَاءُ فَمَا تَلْقَاهُ فِي عِدَّةٍ ** وَأَعُوذُ الصِّدْقَ فِي الأَخْبَار وَالْقسم

وعلمت أن مؤنة الخلق أكثر من معونتهم فيما يعنيك وتركت مخالطتهم إِلا فيما لابد لك منه تنتفع بخيرهم وتجتنب من ضرهم وتجعل صحبتك لمن تربح في صحبته ولا تخسر ولا تندم على خدمته وأنسك بكتابه وملازمتك إياه.
فَشَمِّرْ وَلُذْ بِاللهِ وَاحْفَظْ كِتَابَهُ ** فَفِيهِ الْهُدَى حَقًّا وَلِلْخَيْرِ جَامِعُ

هُوَ الذَّخْرُ لِلْمَلْهُوفِ وَالْكَنْزُ وَالرَّجَا ** وَمِنْهُ بِلا شَكٍّ تُنَالُ الْمَنَافِعُ

بِهِ يَهْتَدِي مَنْ تَاهَ فِي مُهِمَّهِ الْهَوَى ** بِهِ يَتَسَلَّى مَنْ دَهَتْهُ الْفَجَائِعُ

فتَرَى منه كُلّ جميل وإفضال وتجده عَنْدَ كُلّ نائبة في الدُّنْيَا والآخِرَة كما في الْحَدِيث: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك». وفي رواية: «تجده أمامك، تعرف إِلَى اللهِ في الرخاء يعرفك في الشدة». الْحَدِيث.
واعْلَمْ أن الشيطان خبيث قَدْ تجرد لمعادتك فاستعذ بربك القادر القاهر من هذا الكلب اللعين ولا تغفل عن مكائده فتطرده بذكر الله والاستعاذة من شره.
فإنه يسير إذا ظهرت منك عزيمة صادقة وأنه كما قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} نسأل الله أن يوفقنا للعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ آخر:
ما الدُّنْيَا وما إبلَيْسَ، أما الدُّنْيَا فما مضى منها فحلم وما بقى فأماني، وأما الشيطان فوَاللهِ لَقَدْ أطيع فما نفع بل ضر، ولَقَدْ عصي فما ضر.
وعلمت جهالة هذه النفس وجماحها إلى ما يضرها ويهلكها فنظرت إليها رحمة لها نظرة العقلاء والْعُلَمَاء الَّذِينَ ينظرون في العواقب.
لا نظر الجهال والصبيان الَّذِينَ ينظرون في الحال ولا يفطنون لغائلة الأَذَى وينفرون من مرارة الدواء فألجمها بلجام التقوى بأن تمنعها عما لا تحتاج إليه بالحَقِيقَة من فضول الكلام والنظر والتلبيس بخصلة فاسدة من طول أمل أو حسد أو كبر أو نحو ذَلِكَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أن الشيطان قاسم أباك وأمك حواء إنه لهما لمن الناصحين، وقَدْ علمت كذبه وغشه ورَأَيْت فعله بهما وأما أَنْتَ فقَدْ أقسم أن يغويك قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} فاحذره وشمر عن ساق الجد في الفرار عن مكائده والعجب ممن يصدق في عدواته ويتبع غوايته.
وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى ** حُبِّ الرِّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ

وَرَاعِهَا وَهِيَ فِي الأَعْمَالِ سَائِمَةً ** وَإِنْ هِيَ اسْتَحْلَتْ الْمرعَى فَلا تُسَمِ

كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةً لِلْمَرْءِ قَاتِلَةً ** مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِ أَن السُّمَّ فِي الدَّسَمِ

وَخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا ** وَإِنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فَاتَّهِمِ

وَاسْتَفْرِغِ الدَّمْعَ مِِنْ عَيْنٍ قَدْ امْتَلأتْ ** مِن الْمَحَارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَم

قال في الفنون: من عجيب ما نقدت من أحوال النَّاس كثرة ما ناحوا على خراب الديار وموت الأقارب والأسلاف والتحسر على الأرزاق بذم الزمان وأهله وذكر نكد العيش فيه.
وقَدْ رأوا من انهدام الإسلام وشعث الأديان وموت السُّنَن وظهور البدع وارتكاب المعاصي وتقضي العمر في الفارغ الَّذِي لا يجدي والقبيح الَّذِي يوبق ويؤذي فلا أجد مِنْهُمْ من ناح على دينه ولا بكى على فارط عمره ولا آسى على فائت دهره.
وما أرى لذَلِكَ سببًا إِلا قلة مبالاتهم بالأديان وعظم الدُّنْيَا في عيونهم ضد ما كَانَ عَلَيْهِ السَّلَف الصالح يرضون بالبلاغ وينوحون على الدين، قُلْتُ: فَكَيْفَ لو رأى أَهْل هذا الزمن الَّذِي كثرت فيه المعاصي والملاهي وانفتحت فيه الدُّنْيَا على كثير من النَّاس فلا حول ولا قوة إِلا بِاللهِ.
ومن عجب ما رَأَيْت أَنَا أن أحدنا إذ ناداه أمير أو وزير أو مساعد أو مدير يبادر ويقوم بسرعة لداعي الدُّنْيَا ولا يتأخر ويسمَعَ داعي الله يدعوه إلى الصَّلاة التي هِيَ الصلة بينه وبين ربه جَلَّ وَعَلا وتقدس فيتثاقل ولا يهتم لها وإن قام بعد التريث فكأنه مكره يدفع إليها دفعا عكس ما عَلَيْهِ السَّلَف الصالح من المبادرة والمرابطة وترك الأعمال فورًا عِنْدَمَا يسمعون حي على الصَّلاة، حي على الفلاح، وكثير من المساجد عندهم تجد الصف الأول يتم قبل الأذان وقَدْ ازداد الطين بلة بما حدث عندنا من المنكرات قتالة الأوقات، مفرقة النُّفُوس والأبدان، ومشتت القُلُوب، وَذَلِكَ كالتلفزيون والمذياع والفيديو والجرائد والمجلات ومخالطة المنحرفين والفاسقين والكافرين والمجرمين أبعدهم الله.
سَيْرُ الْمَنَايَا إِلَى أَعْمَارِنَا خَبَبُ ** فَمَا تَبِينُ وَلا يَعْتَاقُهَا نَصَبُ

كَيْفَ النَّجَاءَ وَأَيْدِيهَا مُصَمِّمَتٌ ** بِذَبْحِنَا بِمُدَى لَيْسَتْ لَهَا نَصَبُ

وَهَلْ يُؤْمِّلُ نَيْلَ الشَّمْلِ مُلْتَئِمًا ** سَفَرٌ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ رِحْلَةٌ عَجَبُ

وَمَا إِقَامَتُنَا فِي مَنْزَلٍ هَتَفَتْ ** وَفِيهِ بِنَا مُذْ سَكنَّا رَبْعَهُ نُوَبُ

وَآذنتنا وَقَدْ تَمَّتْ عِمَارَتُهُ ** بِأَنَّهُ عَنْ قَرِيبٍ دَاثِرٌ خَرِبُ

أَزْرَتْ بِنَا هَذِهِ الدُّنْيَا فَمَا أَمَلٌ ** إِلا لِرَيْبِ الْمَنَايَا عِنْدَهُ أَرَبُ

هَذَا وَلَيْسَتْ سِهَامُ الْمَوْتِ طَائِشَةٌ ** وَهَلْ تَطِيشُ سِهَامٌ كُلُّهَا نَصَبُ

وَنَحْنُ أَغْرَاضُ أَنْوَاعِ الْبَلأ بِهَا ** قَبْلَ الْمَمَاتِ فَمَرْمِيٌّ وَمُرْتَقِبُ

أَيْنَ الَّذِينَ تَنَاهَوْا فِي ابْنِتَائِهِمُوا ** صَاحَتْ بِهِمْ نَائِبَاتُ الدَّهْرِ فَانْقَلَبُوا

اللَّهُمَّ نَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُورِ الإِيمَانِ وَثَبِّتْهَا عَلى قَوْلِكَ الثَّابِتْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وفي الآخِرةِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاة مُهْتَدينَ، وَتَوفَّنَا مُسْلِمينَ وَأَلْحِقْنَا بِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
هذه قصيدة وعظية ألق لها سمعك:
أَنِسْتُ بِلأوَاءٍ الزَّمَانِ وَذِلِّهِ ** فَيَا عِزَّةَ الدُّنْيَا عَلَيْكَ سَلامُ

إِلَى كَمْ أُعَانِي تِيهَهَا ودَلالَهَا ** ألَمْ يَأْنِ عَنْهَا سَلْوَةُ وَسَآمُ

وَقَدْ أَخْلَقَ الأَيَّامُ جِلْبِاب حُسْنِهَا ** وَأَضْحَتْ وَدِيبَاجُ الْبَهَاءِ مَسَامُ

عَلَى حِينَ شَيْبٌ قَدْ أَلَمَّ بَمَفْرَقِي ** وَعَادَ رُهَامُ الشَّعْرِ وَهُوَ ثَغَامُ

طَلائِعُ ضَعْفٍ قَدْ أَغَارَتْ عَلَى الْقُوَى ** وَثَارَ بِمِيدَانِ الْمِزَاجِ قَتَامُ

فَلا هِيَ فِي بُرْجِ الْجَمَالِ مُقِيمَةٌ ** وَلا أَنَا فِي عَهْدِ الْمُجُونَ مُدَامُ

تَقَطَّعَت الأَسْبَابُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ** وَلَمْ يَبْقَ فِينَا نِسْبَةٌ وَلِئَامُ

وَعَادَتْ قُلُوصُ الْعَزْمِ عَنِّي كَلِيلَةً ** وَقَدْ جُبَّ مِنْهَا غَارِبٌ وَسَنَّامُ

كَأَنِّي بِهَا والْقَلْبُ زُمَّتْ رِكَابهُ ** وَقُوِّضَ أَبْيَاتٌ لَهُ وَخِيَامُ

وَسِيقَتْ إِلَى دَارِ الْخُمُولِ حُمُولُهُ ** يَحُنُّ إليها وَالدُّمُوعُ رُهَامُ

حَنِينَ عَجُولٍ غَرَّهَا الْبَوُّ فَانْثَنَتْ ** إليه وَفِيهَا أَنَّهُ وَضُغَامُ

تَوَلَّتْ لَيَالِ لِلْمَسَرَّاتِ وَانْقَضَتْ ** لِكُلِّ زَمَانٍ غَايَةٌ وَتَمَامُ

فَسَرْعَانَ مَا مَرَّتْ وَوَلَّتْ وَلَيْتَهَا ** تَدُومُ وَلَكِنْ مَا لَهُنَّ دَوَامُ

دُهُورٌ تَقَضَّتْ بِالْمَسَرَّاتِ سَاعَةً ** وَيَوْمَ تَوَلَّى بِالْمَسَاءَةِ عَامُ

فَلِلَّهِ دَرُّ الْغَمِّ حَيْثُ أَمَدَّنِي ** بِطُولِ حَيَاةٍ وَالْهُمُومُ سِهَامُ

أَسِيرُ بِتَيْمَاءٍ التَّحَيُّرِ مُفْرَدًا ** وَلِي مَعَ صَحْبِي عِشْرَةٌ وَنَدَامُ

وَكَمْ عَشِيرَةٍ مَا أَوْرَثَتْ غَيْرَ عُسْرَةٍ ** وَرُبَّ كَلامِ فِي الْقُلُوبِ كَلامُ

فَمَا عِشْتُ لا أَنْسَى حُقُوقَ صَنِيعِهِ ** وَهَيْهَاتَ أَنْ يُنْسَى لَدَيَّ ذِمَامُ

كَمَا اعْتَادَ أَبْنَاءُ الزَّمَانِ وَأَجْمَعَتْ ** عَلَيْهِ فِئَامٌ إِثْرَ ذَاكَ فِيَامُ

خَبَتْ نَارُ أَعْلامِ الْمَعَارِفِ وَالْهُدَى ** وَشُبَّ لِنِيرَانِ الضَّلالِ ضُرَامُ

وَكَانَ سَرِيرَ الْعِلْمِ صَرْحًا مُمَرَّدًا ** يُنَاغِي الْقِبَابَ السَّبْعَ وَهِيَ عِظَامُ

مَتِينًا رَفِيعًا لا يُطَارُ غُرَابُهُ ** عَزِيرًا مَنِيعًا لا يَكَادُ يُرَامُ

يَلُوحُ سَنَا بَرْقِ الْهُدَى مِنْ بُرُوجِهِ ** كَبَرْقٍ بَدَا بَيْنَ السَّحَابِ يُشَامُ

فَجَرَّتَ عَلَيْهِ الرَّاسِيَاتُ ذُيُولَهَا ** فَخَرَّتْ عُرُوشٌ مِنْهُ ثُمَّ دَعَامُ

وَسِيقَ إِلَى دَارِ الْمَهَانَةِ أَهْلُهُ ** مَسَاقَ أَسِيرٍ لا يَزَالُ يُضَامُ

كَذَا تَجْرِي الأَيَّامُ بَيْنَ الْوَرَى عَلَى ** طَرَائِقَ مِنْهَا جَائِرٌ وَقَوَّامُ

فَمَا كُلُّ مَا قَدْ قِيلَ عِلْمٌ وَحِكْمَةٌ ** وَمَا كُلُّ أَفْرَادِ الْحَدِيدِ حُسَامُ

وَلِلدَّهْرِ تَارَاتٌ تَمُرُّ عَلَى الْفَتَى ** نَعِيمٌ وَبُؤْسٌ صِحَّةٌ وَسَقَامُ

وَمَنْ يَكُ فِي الدُّنْيَا فَلا يَعْتِبَنَّهَا ** فَلَيْسَ عَلَيْهَا مَعْتَبٌ وَمَلامُ

أَجِدَّكَ مَا الدُّنْيَا وَمَاذَا مَتَاعُهَا ** وَمَا الَّذِي تَبْغِيهِ فَهُوَ حُطَامُ

تَشَكَّلَ فِيهَا كُلُّ شَيْءٍ بِشَكْلِ مَا ** يُعَانِدُهُ وَالنَّاسُ عَنْهُ نِيَامُ

تَرَى النَّقْصَ فِي زِيِّ الْكَمَالِ كَأَنَّمَا ** عَلَى رَأْسِ رَبَّاتِ الْحِجَالِ عِمَامُ

فَدَعْهَا وَنَعْمَاهَا هَنِيئًا لأَهْلِهَا ** وَلاتَكُ فِيهَا رَاعِيًا وَسَوَامُ

تَعَافُ الْعَرَانِينُ السِّمَاطَ عَلَى الْخِوَى ** إِذَا مَا تَصَدَّى لِلطَّعَامِ طَغَامُ

عَلَى أَنَّهَا لا يُسْتَطَاعُ مَنَالُهَا ** لِمَا لَيْسَ فِيهِ عُرْوَةٌ وَعِصَامُ

وَلَوْ أَنْتَ تَسْعَى إِثْرَهَا أَلْفَ حَجَّةٍ ** وَقَدْ جَاوَزَ الطِّبْيَيْنِ مِنْكَ حِزَامُ

رَجَعْتَ وَقَدْ ضَلَّتْ مَسَاعِيكَ كُلُّهَا ** بِخُفَى حُنَيْنٍ لا تَزَالُ تُلامُ

هَبِ إِنَّ مَقَاليدَ الأُمُورِ مَلَكْتَهَا ** وَدَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ هُمَامُ

وَمُتِّعْتَ بِاللَّذَاتِ دَهْرًا بِغِبْطَةٍ ** إليسَ بِحَتْمٍ بَعْدَ ذَاكَ حِمَامُ

فَبَيْنَ الْبَرَايَا وَالْخُلُودِ تَبَايُنٌ ** وَبَيْنَ الْمَنَايَا وَالنُّفُوسِ لِزَامُ

قَضِيَّةِ انْقَادَ الأَنَامُ لِحُكْمِهَا ** وَمَا حَادَ عَنْهَا سَيِّدٌ وَغُلامُ

ضرُورِيَّة تقضي الْعُقُولُ بِصِدْقِهَا ** سَلْ إِنْ كَانَ فِيهَا مِرْيَةٌ وَخِصَامُ

سَلْ الأَرْضَ عَنْ حَالِ الْمُلُوكِ الَّتِي خَلَتْ ** لَهُمْ فَوْقَ فَوْقَ الفرقدين مَقَامُ

بِأَبْوَابِهِمْ لِلْوَافِدِينَ تَرَاكُم ** بِأَعْتَابِهِمْ لِلْعَاكِفِينَ زِحَامُ

تُجِبْكَ عَنْ أَسْرَارِ السُّيُوفِ الَّتِي جَرَتْ ** عَلَيْهِمْ جَوَابًا لَيْسَ فِيهِ كَلامُ

بِأَنَّ الْمَنَايَا أَقْصَدَتْهُمْ نِبَالُهَا ** وَمَا طَاشَ عَنْ مَرْمَى لَهُنَّ سِهَامُ

وَسِيقُوا مَسَاقَ الْغَابِرِينَ إِلَى الرَّدَى ** وَأَقْفَرْ مِنْهُمْ مَزَلٌ وَمَقَامُ

وَحَلُّوا مَحْلاً غَيْرَ مَا يَعْهَدُونَهُ ** فلَيْسَ لَهُمْ حَتَّى الْقِيَامِ قِيَامُ

أَلَمَ بِهِمْ رَيْبُ الْمَنُونِ فَغَالَهُمْ ** فَهُمْ بَيْنَ أَطْبَاقِ الرُّغَامِ رُغَامُ

انتهى.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَطَعَ قُلُوبَنَا عن ذِكرك واعفُ عن تَقْصِيرنَا فِي طَاعَتكَ وشُكْرِكْ وأدمْ لَنَا لزُومَ الطَرِيق إليكَ وهَبْ لَنَا نورًا نَهْتَدِي بِهِ إليكَ واسْلُكْ بنا سَبِيلَ أَهْلِ مَرْضَاتِكَ واقْطِعْ عَنَّا كُلّ ما يُبعدُنا عَنْ سَبِيلِكَ ويَسِّرْ لَنَا ما يَسَّرْتَهُ لأَهْلِ مَحَبَّتِكَ وأَيْقِظْنَا مِنْ غَفَلاتِنَا وأَلْهِمْنَا رُشْدَنَا وَحَقَّقْ بِكَرَمِكَ قَصْدَنَا واسْتُرْنَا في دُنْيانَا وآخرتِنَا واحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْمُتَّقِينَ وأَلْحِقْنَا بِعِبَادِكَ الصَّالِحِين، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ.
أَرَى النَّاسَ فِي الدُّنْيَا مُعَافًا وَمُبْتَلىً ** وَمَا زَالَ حُكْمُ اللهِ فِي الأَرْضِ مُرْسَلا

مَضَى فِي جَمِيعِ النَّاسِ سَابِقُ عِلْمِهِ ** وَفَصَّلَهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَوَصَّلا

وَلَسْنَا عَلَى حُلْوِ الْقَضَاءِ وَمُرِّهِ ** نَرَى حكَمًا فِينَا مِنَ اللهِ أَعْدَلا

بِلا خَلْقَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَرِّ فِتْنَةً ** لِيَرْغَبَ مِمَّا فِي يَدَيْهِ وَيَسْأَلا

وَلَمْ يَبْغِ إِلا أَنْ نَبُوءَ بِفَضْلِهِ ** عَلَيْنَا وَإِلا أَنْ نَتُوبَ فَيَقْبَلا

هُو الأحَدُ القَيّومُ مِنْ بَعِد خَلقِه ** وَما زالَ في دَيمومَةِ المُلْكِ أولاً

وَمَا خَلَقَ الإِنْسَانُ إِلا لِغَايَةٍ ** وَلَمْ يَتْرُكِ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ مُهْمَلا

كَفَى عِبْرَةً أَنِّي وَأَنَّكَ يَا أَخِي ** نُصَرَّفُ تَصْرِيفًا لَطِيفًا وَنُبْتَلَى

كَانَا وَقَدْ صِرْنَا حَدِيثًا لِغَيْرِنَا ** نُخَاضُ كَمَا خُضْنَا الْحَدِيثَ لِمَنْ خَلا

تَوَهَّمْتُ قَوْمًا قَدْ خَلَوْا فَكَأَنَّهُمْ ** بِأَجْمَعِهِمْ كَانُوا خَيَالاً تَخَيَّلا

وَلَسْتُ بِأَبْقَى مِنْهُمْ فِي دِيَارِهِمْ ** وَلَكِنَّ لِي فِيهَا كِتَابًا مُؤَجَّلا

وَمَا النَّاسُ إِلا مَيِّتٌ وَابْنُ مَيِّتٍ ** تَأَجَّلَ حَيٌّ مِنْهُمْ أَوْ تَعَجَّلا

وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يُخْلِفُ وَعْدَهُ ** بِمَا كَانَ أَوْصَى الْمُرْسَلِينَ وَأَرْسَلا

هُوَ الْمَوْتُ يَا ابْنَ الْمَوْتِ وَالْبَعْثُ بَعْدَهُ ** فَمِنْ بَيْنِ مَبْعُوثٍ مُخِفًّا وَمُثْقَلا

وَمِنْ بَيْنِ مَسْحُوبٍ عَلَى حُرِّ وَجْهِهِ ** وَمِنْ بَيْنِ مَنْ يَأْتِي أَغَرَّ مُحَجَّلا

عَشِقْنَا مِنَ اللَّذَاتِ كُلَّ مُحَرَّمٍ ** فَأُفٍّ عَلَيْنَا مَا أَغَرَّ وَأَجْهَلا

رَكَنَّا إِلَى الدُّنْيَا فَطَالَ رُكُونُنَا ** وَلَسْنَا نَرَ الدُّنْيَا عَلَى ذَاكَ مَنْزِلا

لَقَدْ كَانَ أَقْوَامٌ مِنَ النَّاسِ قَبْلَنَا ** يَعافُونَ مِنْهُنَّ الْحَلالَ الْمُحَلَّلا

فَلِلَّهِ دَارٌ مَا أَحَثَّ رَحِيلُهَا ** وَمَا أَعْرَضَ الآمَالَ فِيهَا وَأَطوَلا

أَبَى الْمَرْءُ إِلا أَنْ يَطُولَ اغْتِرَارُهُ ** وَتَأْبَى بِهِ الْحَالاتُ إِلا تَنَقُّلا

إِذَا أَمَّلَ الإِنْسَانُ أَمْرًا فَنَالَهُ ** فَمَا يَبْتَغِي فَوْقَ الَّذِي كَانَ أَمَّلا

وَكَمْ مِنْ ذَليلٍ عَزَّ مِنْ بَعْدِ ذِلَّةٍ ** وَكَمْ مِنْ رَفِيعٍ كَانَ قَدْ صَارَ أَسْفَلا

وَلَمْ أَرَ إِلا مُسْلِمًا فِي وَفَاتِهِ ** وَإِنْ أَكْثَرَ الْبَاكِي عَلَيْهِ وَأَعْوَلا

وَكَمْ مِنْ عَظِيمِ الشَّأْنِ فِي قَعْرِ حُفْرَةٍ ** تَلَحَّفَ فِيهَا بِالثَّرَى وَتَسَرْبَلا

أَيَا صَاحِبَ الدُّنْيَا وَثِقْتَ بِمَنْزِلٍ ** تَرَى الْمَوتَ فِيهِ بِالْعِبَادِ مُوَكَّلا

تُنَافِسُ فِي الدُّنْيَا لِتَبْلُغَ عِزَّهَا ** وَلَسْتَ تَنَالُ العِزَّ حَتَّى تَذَلَّلا

إِذَا اصْطَحَبَ الأَقْوَامُ كَانَ أَذَلُّهُمْ ** لأَصْحَابِهِ نَفْسًا أَبَرَّ وَأَفْضَلا

وَمَا الْفَضْلُ فِي أَنْ يُؤْثِرَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ** وَلَكِنَّ فَضْلَ الْمَرْءِ أَنْ يَتَفَضَّلا

آخر:
يَا أَيُّهَا الْمُغْتَرُّ بِاللهِ ** فِرَّ مِنَ اللهِ إِلَى اللهِ

وَلُذْ بِهِ وَاسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِهِ ** فَقَدْ نَجَا مَنْ لاذَ اللهِ

وَقُمْ لَهُ وَاللَّيْلُ فِي جنْحِهِ ** فَحَبَّذَا مَنْ قَامَ للهِ

وَاِتْلُ مِنَ الْوَحْيِ وَلَوْ آيَةً ** تُكْسَى بِهَا نُورًا مِنَ اللهِ

وَغَفِّرِ الْوَجْهَ لَهُ سَاجِدًا ** فَعَزَّ وَجْهٌ ذَلَّ للهِ

فَمَا نَعِيمٌ كَمُنَاجَاتِهِ ** لِقَانِتْ يُخْلِصُ للهِ

وَاِبْعُدْ عَنِ الذَّنْبِ وَلا تَاتِهِ ** فَبُعْدُهُ قُرْبٌ مِنَ اللهِ

يَا طَالِبًا جَاهًا بِغَيْرِ التُّقَى ** جَهِلْتَ مَا يُدْنِي مِنَ اللهِ

لا جَاهَ إِلا جَاهُ يَوْمِ الْقَضَا ** إِذْ لَيْسَ حُكْمٌ لِسِوَى اللهِ

وَصَارَ مَنْ يُسْعَدُ فِي جَنَّةٍ ** عالية فِي رَحْمَةِ الله

يَسْكُنُ فِي الْفِرْدَوْسِ فِي قُبَّةٍ ** مِنْ لُؤْلُؤٍ فِي جِيرَةِ اللهِ

وَمَنْ يَكُنْ يُقْضَى عَلَيْهِ الشَّقَا ** فِي جَاحِمٍ فِي سَخَطِ اللهِ

يُسْحَبُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ ** بِسَابِقِ الْحُكْمِ مِنَ اللهِ

يَا عَجَبًا مِنْ مُوقِنٍ بِالْجَزَا ** وَهُوَ قَلِيلُ الْخَوْفِ للهِ

كَأَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ مُخْبِرٌ ** بِأَمْنِهِ مِنْ قِبَلِ اللهِ

يَا رُبَّ جَبَّارٍ شَدِيدِ الْقُوَى ** أَصَابَهُ سَهْمٌ مِنَ اللهِ

فَأَنْفَذَ الْمَقْتَلَ مِنْهُ وَكَمْ ** أَصْمَتْ وَتُصْمِي أَسْهُمُ اللهِ

وَاِسْتَلَّ قَسْرًا مِنْ قُصُورٍ إِلَى الْـ ** أَجْدَاثِ وَاِسْتَسْلَمَ للهِ

مُرْتَهَنًا فِيهَا بِمَا قَدْ جَنَى ** يُخْشَى عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ

لَيْسَ لَهُ حَوْلٌ وَلا قُوَّةٌ ** الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ للهِ

يَا صَاحِ سِرْ فِي الأَرْضِ كَيْمَا تَرَى ** مَا فَوْقَهَا مِنْ عِبَرِ اللهِ

وَكَمْ لَنَا مِنْ عِبْرَةٍ تَحْتَهَا ** فِي أُمَمٍ صَارَتْ إِلَى اللهِ

مِنْ مَلِكٍ مِنْهُمْ وَمِنْ سُوقَةٍ ** حَشْرُهُمُ هَيِّنٌ عَلَى اللهِ

وَالحَظْ بِعَيْنَيْكَ أَدِيمَ السَّمَا ** وَمَا بِهَا مِنْ حِكْمَةِ اللهِ

تَرَى بِهَا الأَفْلاكَ دَوَّارَةً ** شَاهِدَةً بِالْمُلْكِ للهِ

مَا وَقَفَتْ مُذْ أُجْرِيَتْ سَاعَةً ** أَوْ دُونَهاَ خَوْفًا مِنَ اللهِ

وَمَا عَلَيْهَا مِنْ حِسَابٍ وَلا ** تَخْشَى الَّذي يُخْشَى مِنَ اللهِ

وَهِيَ وَمَا غَابَ وَمَا قَدْ بَدَا ** مِنْ آيَةٍ فِي قَبْضَةِ اللهِ

تُوَحِّدُ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ ** فِي غَيْبِهِ فَالأَمْرُ للهِ

وَمَا تَسَمَّى أَحَدٌ فِي السَّمَا ** وَالأَرْضِ غَيْرُ اللهِ بِاللهِ

إِنَّ حِمَى اللهِ مَنِيعٌ فَمَا ** يَقْرُبُ شَيْءٌ مِنْ حِمَى اللهِ

لا شَيْءَ فِي الأَفْوَاهِ أَحْلَى مِنَ التَّـ ** ـوْحِيدِ وَالتَّمْجِيدِ للهِ

وَلا اطْمَأَنَّ الْقَلْبُ إِلا لِمَنْ ** يَعْمُرْهُ بِالذِّكْرِ للهِ

وَإِنْ رَأَى فِي دِينِهِ شُبْهَةً ** أَمْسَكَ عَنْهَا خَشْيَةَ اللهِ

أَوْ عَرَضَتهُ فَاقَةٌ أَوْ غِنَىً ** لاقَاهُمَا بِالشُّكْرِ للهِ

وَمَنْ يَكُنْ فِي هَدْيِهِ هَكَذَا ** كَانَ خَلِيقًا بِرِضَى اللهِ

وَكانَ فِي الدُّنْيَا وَفِي قَبْرِهِ ** وَبَعْدَهُ فِي ذِمَّةِ اللهِ

وَفِي غَدٍ تُبْصِرُهُ آمِنًا ** لِخَوْفِهِ اليوم مِنَ اللهِ

ما أَقْبَحَ الشَّيْخَ إِذَا مَا صَبَا ** وَعَاقَهُ الْجَهْلُ عَنِ اللهِ

وَهُوَ مِنَ الْعُمْرِ عَلَى بَازِلٍ ** يَحْمِلُهُ حَثًّا إِلَى اللهِ

هَلا إِذَا أَشْفَى رَأَى شَيْبَهُ ** يَنْعَاهُ فَاسْتَحْيَى مِنَ اللهِ

كَأَنَّمَا رِينَ عَلَى قَلْبِهِ ** فَصَارَ مَحْجُوبًا عَنِ اللهِ

مَا يُعْذَرُ الْجَاهِلُ فِي جَهْلِهِ ** فَضْلاً عَنِ الْعَالِمَ بِاللهِ

دَارَانِ لابد لَنَا مِنْهُمَا ** بِالْفَضْلِ وَالْعَدْلِ مِنَ اللهِ

وَلَسْتُ أَدْرِي مَنْزِلِي مِنْهُمَا ** لَكِنْ تَوَكَّلْتُ عَلى اللهِ

فَاعْجَبْ لِعَبْدٍ هَذِهِ حَالُهُ ** كَيْفَ نَبَا عَنْ طَاعَةِ اللهِ

وَاسَوْأَتَا إِنْ خَابَ ظَنِّي غَدًا ** وَلَمْ تَسَعْنِي رَحْمَةُ اللهِ

وَكُنْتُ فِي النَّارِ أَخَا شِقْوَةٍ ** نَعُوذُ مِنْ ذَلِكَ بِاللهِ

كَمْ سَوْءَةٍ مَسْتُورَةٍ عِنْدَنَا ** يَكْشِفُهَا الْعَرْضُ عَلَى اللهِ

فِي مَشْهَدٍ فِيهِ جَمِيعُ الْوَرَى ** قَدْ نَكَّسُوا الأَذْقَانَ للهِ

وَكَمْ تَرَى مِنْ فَائِزٍ فِيهِمُ ** جَلَّلَهُ سِتْرٌ مِنَ اللهِ

فَالْحَمْدُ للهِ عَلَى نِعْمَةِ الْـ ** إِسْلامِ ثُمَّ الْحَمْدُ لله

فصل:
عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
فَقَالَ رَسُولِ اللهُ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى». أخرجه أبو داود، والترمذى.
وًعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دعا رجل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الحنان الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يا حي يا قيوم.
فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «أتَدْرُونَ بِمَ دَعَا؟ قَالُوا: الله ورسوله أعلم قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ دعا اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى»، أخرجه أصحاب السُّنَن.
عن سَعْدٍ عَنْ أَبِيِ وقاص قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ دَعَى وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْء قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ». رواه الترمذي والنسائي والحاكم وَقَالَ صحيح الإسناد.
اللَّهُمَّ أَنَا نعوذ بك مِن شَر أسماعنا ومِن شَر أبصارنا ومِن شَر ألسِنَتنَا وشر قبوبنا وشر منينا.
اللَّهُمَّ عافنا في أبداننا وفي أسماعنا وفي أبصارنا اللَّهُمَّ أَنَا نعوذ بك من الفقر والكفر، اللَّهُمَّ أَنَا نعوذ بك من عذاب القبر لا إله إِلا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ أَنَا نعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع ودعاء لا يسمَعَ.
اللَّهُمَّ أَنَا نعوذ بك من زَوَال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك، الهم أنفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا عِلْمًا الحمد لله على كُلّ حال وأعوذ بِاللهِ من حال أَهْل النار.
اللَّهُمَّ أغننا بالعلم وزينا بالحلم وأكرمنا بالتقوى وحملنا بالعافية.
اللَّهُمَّ أَنَا نسألك صحة في إيمان وإيمانَا في حسن خلق ونجاحًا يتبعه فلاح، ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوانَا.
اللَّهُمَّ أَنَا نعوذ بوجهك الكريم واسمك العَظِيم من الكفر والفقر.
اللَّهُمَّ أَنَا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمَعَ بها شملنا، وتلم بها شعثنا، وترد بها الفتنا، وتصلح بها ديننا، وتحفظ بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكى بها علمنا، وتبيض بها وجوهنا وتلهمنا بها رشدنا وتعصمنا بها من كُلّ سوء.
اللَّهُمَّ أعطنا إيمانَا صادقًا ويقينًا لَيْسَ بعده كفر ورحمة تنال بها شرف كرامتك في الدُّنْيَا والآخِرَة.
اللَّهُمَّ أَنَا نسألك الفوز عَنْدَ الِقَضَاءِ ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء ومرافقة الأنبياء.
اللَّهُمَّ ما قصر عَنْهُ رأينا وضعف عَنْهُ عملنا ولم تبلغه نيتنا وأمنيتنا من خَيْر وعدته أحدًا من عبادك وخَيْر أَنْتَ معطيه أحدًا من خلقك فانَا نرغب إليك فيه ونسألكه يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ ارزقنا أعينا هطالة تشفيان الْقَلْب يذروف الدموع من خشيتك قبل أن تَكُون الدموع دمًا والأضراس جمرًا.
اللَّهُمَّ اجعلنا هداة مهتدين غير ضإلين ولا مضلين حربًا لأعدائك وسلمًا لأوليائك نحب بحبك النَّاس ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك.
اللَّهُمَّ إن نسألك الأمن يوم الوعيد من الْعَذَاب الشديد ونسألك الْجَنَّة دار الخلود مَعَ المقربين الشهود والركع السجود والموقين بالعهود والوعود إنك غفور رؤف ودود.
اللَّهُمَّ أَنَا نسألك باسمك الطاهر الطيب المبارك الأحب إليك الَّذِي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت وإذا استرحمت به رحمت، وإذا استفرجت به فرجت.
يَا حَيُّ يا قَيُّوم يا علي يا عَظِيم يا واحد أحد يا فرد صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يا ذا الجلال والإكرام أن تفتح لدعائنا باب القبول والإجابة.
اللَّهُمَّ ارحم ذلنا يوم الأشهاد وأمن خوفنا من فزع المعاد ووفقنا لما تنجينا به من الأعمال في ظلم الإلحاد ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
قال بَعْضهمْ:
أُقِلِّبُ كُتُبًا طَالَما قَدْ جَمَعْتُهَا ** وَأَفْنَيْتُ فيها العَيْنَ والعَيْنَ وَإليدَا

وَأَصْبَحْتُ ذَا ظَنٍ بِهَا وَتَمَسُّكٍ ** لِعِلْمِي بِمَا قَدْ صُغْتُ فِيهَا مُنْضَّدَا

وَأحْذَرُ جُهْدِي أَنْ تَنَالَ بِنَائِلٍ ** مَهِينٌ وَأَنْ يَغْتَالَهَا غَائِلُ الرَّدَى

وَاعْلَمْ حَقًّا أَنَّنِي لَسْتُ بَاقِيًا ** فَيَإليتَ شِعْرِي مَنْ يُقَلِّبُهَا غَدَا

آخر:
الْعِلْمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُهُ ** قَالَ الصَّحَابَةُ هُمْ أُولُو الْعِرْفَانِ

لَوْ كَانَ هَذَا الْعِلْمُ يَحْصُلُ بِالْمُنَى ** مَا كَانَ يَبْقَى فِي الْبَرِيَّةِ جَاهِلُ

اجْهَدْ وَلا تَكْسَلْ وَلا تَكُ غَافِلاً ** فَنَدَامَةُ الْعُقْبَى لِمَنْ يَتَكَاسَلُ

فَوَائِد عظيمة النفع لمن وفقه الله:
واعجبًا منك يضيع الشَيْء القليل وتتكدر وتتأسف، وقَدْ ضاع أشرف الأَشْيَاءِ عندك وَهُوَ عمرك الَّذِي لا عوض له وأَنْتَ عَنْدَ قتالات الأوقات، الكورة والتلفاز والمذياع ونحوها من قطاع الطَرِيق عن الأعمال الصَّالِحَة، ولكن ستندم: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}.
أَرَى النَّاسَ سَفْرًا فِي طَرِيقِ الْمَتَالِفِ ** فَمَنْ بَالِغٍ أُخْرَى الْمَدَى وَمُشَارِفِ

وَمَا بَطْنُ هَذِي الأَرْضَ إِلا قَرَارَةٌ ** وَأَرْوَاحَنَا مِثْلُ السُّيُولِ الْجَوَارِفِ

وَمَا الْعُمْرُ إِلا جَوْلَةٌ ثُمَّ أَوْلَهٌ ** وَنَحْنُ بِمِرْصَادِ الرَّقِيبِ الْمُشَارِف